سورة الأحقاف - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحقاف)


        


قوله تعالى: {قل أرأيتم} مفسَّر في [فاطر: 40] إلى قوله: {إِيتوني بكتاب}، وفي الآية اختصار، تقديره: فإن ادَّعَواْ أن شيئاً من المخلوقات صنعةُ آلهتهم، فقل لهم: إيتوني بكتاب {مِنْ قَبْلِ هذا} أي: مِنْ قَبْلِ القرآن فيه برهانُ ما تدَّعون من أن الأصنام شركاءُ الله، {أو أثارةٍ مِنْ عِلْمٍ} وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الشيء يثيره مستخرجه، قاله الحسن.
والثاني: بقيَّة مِنْ عِلْمٍ تُؤثَر عن الأوَّلِين، قاله ابن قتيبة. وإِلى نحوه ذهب الفراء، وأبو عبيدة.
والثالث: علامة مِنْ عِلْم، قاله الزجاج. وقرأ ابن مسعود، وأبو رزين، وأيوب السختياني، ويعقوب: {أثَرَةٍ} بفتح الثاء، مثل شجرة. ثم ذكروا في معناها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الخَطُّ، قاله ابن عباس؛ وقال هو خَط كانت العرب تخُطُّه في الأرض، قال أبو بكر بن عيّاش: الخَطُّ هو العِيافة.
والثاني: أو عِلْم تأثُرونه عن غيركم، قاله مجاهد.
والثالث: خاصَّة مِنْ عِلْم، قاله قتادة.
وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، وقتادة، والضحاك، وابن يعمر: {أثْرَةٍ} بسكون الثاء من غير ألف بوزن نَظْرَةٍ.
وقال الفراء: قرئت {أثارةٍ} و{أثَرَةٍ}، وهي لغات، ومعنى الكل: بقيَّة مِنْ عِلْم، ويقال: أو شيء مأثور من كتب الأولين، فمن قرأ {أثارةٍ} فهو المصدر، مثل قولك: السماحة والشجاعة، ومن قرأ {أثَرَةٍ} فإنه بناه على الأثَر، كما قيل: قَتَرة، ومن قرأ {أثْرَةٍ} فكأنه أراد مثل قوله: الخَطْفَة [الصافات: 10] و {الرَّجْفَة} [الأعراف: 78].
وقال اليزيدي: الأثارة: البقيَّة؛ والأثَرَة، مصدر أثَرَه يأثُرُه، أي: يذكُره ويَرويه، ومنه حديثٌ مأثور.


قوله تعالى: {مَنْ لاَ يستجيبُ له} يعني الأصنام {وهم عن دعائهم غافلون} لأنها جماد لا تَسمع، فإذا قامت القيامة صارت الآلهة أعداءً لعابديها في الدنيا. ثم ذكر بما بعد هذا أنهم يسمُّون القرآن سِحْراً وأن محمداً افتراه.
قوله تعالى: {فلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً} أي: لا تقدِرون على أن ترُدُّوا عني عذابَه، أي: فكيف أفتري مِنْ أجِلكم وأنتم لا تقدرون على دفع عذابه عنِّي؟! {هو أعلمُ بما تُفيضونَ فيه} أي: بما تقولون في القرآن وتخوضون فيه من التكذيب والقول بأنه سِحْر {كفى به شهيداً بيني وبينَكم} أن القرآن جاء مِنْ عندِ الله {وهو الغفور الرحيم} في تأخير العذاب عنكم. وقال الزجاج: إنما ذكر هاهنا الغُفران والرَّحمة ليُعْلِمَهم أنَّ من أتى ما أَتَيْتُم ثم تاب فإن الله تعالى غفور له رحيم به.


قوله تعالى: {قل ما كنتُ بِدْعاً من الرُّسُل} أي: ما أنا بأوَّل رسولٍ. والبِدْع والبديع من كل شيء: المبتدأ {وما أَدري ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُم} وقرأ ابن يعمر، وابن أبي عبلة: {ما يَفْعَلُ} بفتح الياء ثم فيه قولان:
أحدهما: أنه أراد بذلك ما يكون في الدنيا. ثم فيه قولان:
أحدهما: أنه لمّا اشتد البلاء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، رأى في المنام أنه هاجر إلى أرضٍ ذاتِ نخلٍ وشجرٍ وماءٍ، فقصَّها على أصحابه، فاستبشَروا بذلك لما يلقَون من أذى المشركين. ثم إِنهم مكثوا بُرهة لا يرَوْن ذلك، فقالوا: يا رسول الله متى تُهاجِر إلى الأرض التي رأيتَ؟ فسكت رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى: {وما أدري ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُم} يعني: لا أدري، أخرُجُ إِلى الموضع الذي رأيتُه في منامي أم لا؟ ثم قال: إِنما هو شيء رأيتُه في منامي، وما {أتَّبع إِلاّ ما يوحَى إِليَّ}، رواه أبو صالح عن ابن عباس. وكذلك قال عطية: ما أدري هل يتركني بمكة أو يُخرجني منها.
والثاني: ما أدري هل أُخْرَج كما أُخْرج الأنبياءُ قَبْلي، أو أُقْتَل كما قُتِلوا، ولا أدري ما يُفْعَل بكم، أتعذَّبونَ أم تؤخَّرونَ؟ أتُصدَّقونَ أم تُكذَّبونَ؟ قاله الحسن.
والقول الثاني: أنه أراد ما يكون في الآخرة. روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لمّا نزلتْ هذه الآية، نزل بعدها {لِيَغْفِرَ لكَ اللهُ ما تقدَّم مِنْ ذَنْبِكَ وما تأخَّر} [الفتح: 2] وقال: {ليِدُخِلْ المؤمِنينَ والمؤمِناتِ جنّات} الآية [الفتح: 5] فأُعلم ما يُفْعَل به وبالمؤمنين. وقيل: إن المشركين فرحوا عند نزول هذه الآية وقالوا: ما أمْرُنا وأمْرُ محمد إلاّ واحد، ولولا أنه ابتدع ما يقوله لأخبره الذي بعثه بما يفعل به، فنزل قوله: {لِيَغْفِرَ لكَ اللهُ...} الآية [الفتح: 2]، فقال الصحابة: هنيئاً لك يا رسول الله، فماذا يُفْعَل بنا؟ فنزلت {لِيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمناتِ جنّاتٍ} الآية [الفتح: 5]؛ وممن ذهب إِلى هذا القول أنس، وعكرمة، وقتادة. وروي عن الحسن ذلك.
قوله تعالى: {قُلْ أرأيتُم إِنْ كان مِنْ عِنْدِ اللهِ} يعني القرآن {وكَفَرْتُم به وشَهدَ َشاهدٌ مِنْ بني إِسرائيل} وفيه قولان:
أحدهما: أنه عبد الله بن سلام، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، ومجاهد، وقتادة، والضحاك، وابن زيد.
والثاني: أنه موسى بن عمران عليه السلام، قاله الشعبي، ومسروق.
فعلى القول الأول يكون ذكر المثل صلة، فيكون المعنى: وشهد شاهد من بني إِسرائيل عليه، أي: على أنه من عند الله، {فآمن} الشاهد، وهو ابن سلام {واستَكْبرتُم} يا معشر اليهود.
وعلى الثاني: يكون المعنى: وشَهِد موسى على التوراة التي هي مِثْل القرآن أنها من عند الله، كما شهد محمد على القرآن أنه كلام الله، {فآمن} مَنْ آمن بموسى والتوراة {واستَكْبرتُم} أنتم يا معشر العرب أن تؤمِنوا بمحمد والقرآن.
فإن قيل: أين جواب {إِنْ}؟ قيل: هو مُضْمَر؛ وفي تقديره ستة أقوال:
أحدها: أن جوابه: فَمنْ أَضَلُّ منكم، قاله الحسن.
والثاني: أن تقدير الكلام: وشَهِدَ شاهدٌ من بني إِسرائيل على مثله فآمن، أتؤمِنون؟ قاله الزجاج.
والثالث: أن تقديره: أتأمنون عقوبة الله؟ قاله أبو علي الفارسي.
والرابع: أن تقديره: أفما تهلكون؟ ذكره الماوردي.
والخامس: مَن المُحِقُّ مِنّا ومِنكم ومَن المُبْطِل؟ ذكره الثعلبي.
والسادس: أن تقديره: أليس قد ظَلَمْتُمْ؟ ويدُلُّ على هذا المحذوف قوله: {إِنَّ الله لا يَهْدِي القومَ الظالمين}، ذكره الواحدي.

1 | 2 | 3